كتب محمد بزي أنّ تقارير حديثة أكدت ما يعرفه العالم منذ شهور، وهو أنّ غزة تعيش مجاعة كاملة الصنع بفعل حصار إسرائيلي متعمد واستراتيجية تجويع تستخدم كسلاح حرب. منظمة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، التي تضم برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية، أعلنت أنّ غزة وخصوصاً مدينتها الكبرى تعاني ظروف المجاعة، بعد أن عبرت كل المعايير الدولية التي تجعل من الكارثة مؤكدة. هذا الإعلان، كما يرى الكاتب، سيبقى شاهداً تاريخياً على كيفية استخدام إسرائيل للجوع كسلاح بينما القوى الغربية التزمت الصمت أو وفرت الغطاء.
ذكرت الجارديان أنّ إعلان المجاعة ليس مجرد وصف للأوضاع، بل محطة مؤسسية مهمة ستدين لاحقاً من تجاهل المأساة. الكاتب أوضح أنّ إعلان المجاعة يأتي متأخراً غالباً، بعد أن تكون أعداد كبيرة قد فارقت الحياة. وفي حالات سابقة مثل الصومال عام 2011 أو جنوب السودان 2017، نصف الضحايا تقريباً كانوا قد ماتوا قبل صدور الإعلان الرسمي. ومع ذلك، أكدت المنظمات الإنسانية أنّ الغذاء متوافر على حدود غزة ويكفي لثلاثة أشهر، لكن إسرائيل تمنع إدخاله، بينما تلتزم إدارة ترامب الصمت وتمنح الغطاء لهذه السياسة.
أشار بزي إلى أنّ ترامب يمتلك القدرة على وقف المجاعة، لأن الولايات المتحدة هي أكبر مزود لإسرائيل بالسلاح وأهم داعم سياسي لها. لكن بدلاً من ممارسة الضغط على نتنياهو لرفع الحصار، يواصل ترامب تأييد خطط إسرائيل لغزو غزة وإحداث تهجير جديد لمليون فلسطيني. ترامب نفسه صرح الشهر الماضي أنّ أطفال غزة “يبدون جائعين جداً”، لكنه لم يتخذ أي خطوة لوقف سياسة التجويع. بل إنّ إدارته تجاهلت تقرير IPC الأخير الذي أكد تجاوز غزة عتبات المجاعة الثلاث: ندرة الغذاء الشديدة، سوء التغذية الحاد بين الأطفال، وارتفاع معدلات الوفيات بسبب الجوع والأمراض.
ينقل الكاتب عن منسق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر قوله إنّ الطعام “يتكدس على الحدود بسبب عرقلة منهجية من إسرائيل”، مضيفاً أنّ المجاعة في غزة “ولّدتها القسوة، وبررتها الرغبة في الانتقام، وأدامها التواطؤ الدولي”. ويؤكد بزي أنّ هذه الرسالة كانت موجهة أساساً لترامب الذي وحده يستطيع الضغط على نتنياهو لإنهاء الحصار.
ويشرح المقال أنّ تحذيرات وكالات الأمم المتحدة بدأت منذ أوائل 2024 بشأن خطر المجاعة مع استمرار الحصار بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023. إدارة بايدن، بحسب الكاتب، تجاهلت هذه التحذيرات وسعت للتقليل من شأنها، بينما واصلت إرسال الأسلحة لإسرائيل بلا شروط. وعندما بدأت بعض المناطق في غزة تقترب من حافة الجوع، خففت إسرائيل الحصار مؤقتاً، ثم شددته مجدداً في مارس الماضي بدعم ضمني من ترامب.
يوضح بزي أنّ نتنياهو استأنف الحرب وخرق الهدنة بدلاً من قبول اتفاق لوقف إطلاق النار، لأنه يخشى سقوط حكومته الائتلافية المتطرفة إن أوقف القتال. وفي أغسطس، أعلنت حماس قبولها اتفاقاً مطابقاً تقريباً لعرض أمريكي إسرائيلي سابق، لكن نتنياهو عرقل التنفيذ بمطالب جديدة لإطالة أمد الحرب والبقاء في الحكم. ترامب في المقابل أيّد خططه للسيطرة على مدينة غزة وأجزاء أخرى من القطاع.
يضيف المقال أنّ بايدن وفّر الغطاء السياسي والدعم المالي والعسكري لنتنياهو طوال 15 شهراً، ما جعله شريكاً في سياسة التجويع وجرائم الحرب. اليوم يكرر ترامب النهج ذاته، متبنياً وعود نتنياهو بـ"النصر الكامل"، رغم فشل هذه الوعود منذ أكثر من عام. نتنياهو يواصل الحديث عن “إعادة تشكيل الشرق الأوسط” بينما يمتنع عن تقديم خطة لإنهاء الحرب أو مستقبل غزة، في وقت يزداد فيه الجوع والمعاناة الإنسانية.
ويشير بزي إلى أنّ مسؤولين أمريكيين سابقين أكدوا أنّ نتنياهو خطط منذ بداية الحرب لاستنزاف طويل قد يستمر عقوداً، بينما ألقت إدارة بايدن اللوم على حماس وحدها لتبرير استمرار الحرب. هذا التواطؤ شجع إسرائيل على تشديد الحصار وتجويع السكان. اليوم، يستكمل ترامب الطريق نفسه، متجاهلاً أنّه بضغط واحد يمكنه فرض إدخال المساعدات وإنقاذ ملايين الأرواح.
بهذا يلخص الكاتب أنّ مجاعة غزة ليست كارثة طبيعية ولا نتيجة نزاع داخلي، بل جريمة ممنهجة صنعتها إسرائيل بغطاء أمريكي متواصل. ترامب، كما بايدن، اختار الاصطفاف خلف نتنياهو بدلاً من إنقاذ شعب يواجه الموت جوعاً.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/29/gaza-famine-trump-netanyahu-biden